التعويذة

خداع المشعوذ.. عندما يصبح الأمل في الإنجاب فخًا للضحية

في إحدى قرى صعيد مصر، عاش حسن وزوجته فاطمة حياة هانئة رغم أن القدر لم يمنحهما نعمة الإنجاب. مرت سنوات وهما يتنقلان بين الأطباء، لكن جميع الفحوصات أكدت أنهما سليمان ولا يعانيان من أي مشاكل طبية. ومع ذلك، لم يرحمهم المجتمع، وبدأت الضغوط تنهال عليهما، خاصة على فاطمة، التي خشيت أن تدفعه رغبة عائلته للزواج بأخرى.

في إحدى الليالي، زارتها جارتها أم سعيد، وهي سيدة عجوز تُعرف بكثرة حديثها عن “المشايخ أصحاب البركات”. جلست إلى جوارها وهمست بصوت خافت:
— “فيه شيخ كبير في البلد اللي جنبنا، سِرُّه باتع، واللي ييجي عنده بيرجع سعيد، بيشفي المرضى وبيعالج اللي محرومين من الخلفة!”

ترددت فاطمة في البداية، لكنها كانت يائسة ومستعدة لفعل أي شيء لتحقيق حلمها بالأمومة. وبعد أيام من التفكير، قررت الذهاب إليه، خاصة بعد أن أكدت لها الجارة أن “الشيخ مبياخدش فلوس، ونيته لله”.

الزيارة الأولى

اصطحبت فاطمة جارتها وذهبتا إلى بيت الشيخ رضوان، رجل خمسيني بوجه طويل ولحية كثيفة وعيون ثعلبية تلمع بمكر. استقبلهما بحفاوة مصطنعة، وأجلسهما في غرفة مليئة بالدخان المنبعث من أعواد البخور، ثم نظر إلى فاطمة نظرة طويلة وقال بصوت مهيب:
— “أشعر بطاقة قوية حولكِ، لكن هناك سحر معقود يمنعكِ من الإنجاب. لابد من جلسات خاصة لفك هذا السحر.”

ثم نظر إلى الجارة وأضاف:
— “الجلسة الجاية لازم تكون لوحدها، لأن الأمور دي سرية، والجن لا يحب الغرباء.”

اقشعر بدن فاطمة من كلماته، لكن رغبتها في الإنجاب كانت أقوى من شكوكها، فوافقت على العودة وحدها.

الجلسة الثانية: بداية الفخ

في الليلة التالية، ذهبت فاطمة وحدها، وكان الشيخ في انتظارها. طلب منها أن تقف حافية القدمين فوق مبخرة، وأمرها أن ترفع ثوبها قليلاً حتى يتغلغل الدخان إلى ساقيها. نظرت إليه مترددة، لكنه قال بصوت حازم:
— “دي خطوة مهمة، السحر مربوط في الدم، والدخان لازم يدخل الجسد عشان يفكه!”

رفعت ثوبها قليلاً، لكنه أشار بيده قائلاً:
— “أكثر، حتى يصل الدخان جيداً.”

ترددت، لكن رغبتها في الإنجاب جعلتها تطيعه. بينما كان الشيخ يتأمل ساقيها، لمعت عيناه بشهوة مكبوتة، وأدرك أنه وجد فريسته.

قبل أن تنصرف، قال لها:
— “في الجلسة القادمة، لازم تشربي شراب مخصوص عشان يطهّر جسمك من الأثر السلبي للسحر.”

الجلسة الثالثة: الجريمة

عادت فاطمة في الموعد المحدد، ووجدت الشيخ في انتظارها بكوب من العصير الأحمر، أمسكه بين يديه وبدأ يتمتم بكلمات غير مفهومة، ثم نفث فيه وأعطاها إياه.
— “اشربيه كله، ده محوّط بالبركة.”

ترددت للحظة، لكنها شربته، وسرعان ما شعرت بدوار شديد، ثم سقطت على الأرض فاقدة الوعي.

فتح الشيخ عيناه بدهشة وهو يرى جسدها مُمددًا أمامه بلا حول ولا قوة. ابتسم ابتسامة خبيثة، ثم انقض عليها كذئب جائع، مرتكبًا جريمته البشعة دون وازع من ضمير أو خوف من الله.

لحظة الاستيقاظ والانتقام

عندما أفاقت فاطمة بعد ساعات، وجدت نفسها في حالة يرثى لها، وذاكرتها بدأت تستعيد ببطء ما حدث. شهقت، وقلبها يخفق بعنف، ثم نظرت حولها فرأت الشيخ جالسًا بهدوء وكأنه لم يرتكب جريمة.

صرخت وهي ترتجف:
— “إنت عملت فيَّ إيه؟!”

ابتسم بمكر وقال:
— “الشيطان لعب بعقلك، إنتِ كنتي نايمة بس، وعلاجك لسه مخلصش!”

لكن فاطمة لم تكن بالسذاجة التي يعتقدها، فاندفعت خارج الغرفة وهي تبكي، وركضت حتى وصلت إلى منزلها، حيث انهارت بين يدي زوجها واعترفت له بكل شيء.

القبض على المجرم

لم يتردد حسن لحظة واحدة، فأخذ زوجته إلى قسم الشرطة وقدما بلاغًا مفصلًا. استمع الضابط إلى القصة بتركيز، ثم أمر بإلقاء القبض على الشيخ.

عندما داهمت الشرطة منزله، وجدوا داخله مبخرة، طلاسم سحرية، ومواد مخدرة. كما اكتشفوا أنه تورط في اعتداءات مشابهة على نساء أخريات، لكنه أفلت بسبب خوفهن من الفضيحة.

المحاكمة والعقوبة

خلال المحاكمة، وقفت فاطمة بشجاعة وأدلت بشهادتها، فيما حاول الشيخ الإنكار والادعاء بأنه “يعالج بالروحانيات”. لكن الأدلة كانت دامغة، وصدرت ضده عقوبة السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، بالإضافة إلى تهم تتعلق بممارسة الشعوذة والدجل.

الخاتمة: العبرة والعظة

تحولت القضية إلى حديث القرية، وأصبحت النساء أكثر حذرًا من الوقوع في شِراك الدجالين والمحتالين. أما فاطمة، فقد تجاوزت محنتها بدعم زوجها، وأصبحت أكثر قوة وإيمانًا بأن الأقدار بيد الله وحده، وأنه لا يوجد “سِرٌّ باتع” إلا في العلم والإيمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى