الكشف عن تفاصيل سرقة 242 مليون دولار من بنك إماراتي بـ”السحر الأسود”
هل تذكرون قصة جحا مع جاره الجشع؟ عندما استعار جحا من جاره “حلة كبيرة” وأعادها له بعد يوم ومعها “حلة صغيرة”، وعندما سأله جاره عن الأمر أخبره أن “الحلة” ولدت فى منزله، وبما أنها تخص الجار فإن المولود بالتالى من حقه، وهو ما قبل به الجار الجشع رغم أن الأمر لا يصدقه عقل، ولذلك دفع ثمن جشعه عندما استعار منه جحا “الحلة” مرة أخرى وتأخر فى ردها، وعندما ذهب الجار يسأل عنها قال له جحا باكيا “ماتت الحلة”، فتعجب الجار غاضبا وقال “كيف تموت الحلة”، ليرد عليه حجا ضاحكا “لماذا صدقت أن الحلة قد ولدت ولا تصدق أنها قد ماتت؟”.
هذا ما حدث مع مدير بنك إماراتى منذ 20 عاما، بحسب ما نشرته الـ”BBC” عن واحدة من أغرب السرقات فى التاريخ، على لسان منفذ السرقة نفسه.
بدأت القصة عندما ذهب مواطن مالى فى الإمارات يدعى فوتانجا سيسوكو، من أجل طلب قرض من بنك دبى الإسلامى لشراء سيارة، وكان الخطأ الذى ارتكبه مدير البنك هو قبول دعوته على العشاء كنوع من رد الجميل للموافقة على القرض، وبينما كان الاثنان يتناولان العشاء، بدأ سيسوكو تنفيذ مخططه، حين ادعى امتلاكه قدرات سحرية وأنه يمكنه “توليد الأموال”، بمعنى مضاعفة أى مبلغ يريده، ودعا مدير البنك للحضور إليه مرة أخرى ومعه مبلغ من المال لتأكيد قدرته السحرية على زيادة الأموال.
وبحسب ما نشرته وكالة “سبوتنيك” الروسية أيضا، استسلم مدير البنك تماما لهذا الساحر وذهب مجددا إلى منزله ومعه الأموال، وقابله الرجل مندفعا من إحدى غرف المنزل وهو يصيح بأن “الجن” هاجمه للتو، وحذره من إغضاب الجن وإلا فلن تتضاعف أمواله، فاستجاب مدير البنك على الفور وترك الأموال فى الغرفة المسحورة وظل ينتظر، ثم رأى ضوءا ودخانا وسمع أصواتا ظنها للجن، قبل أن يسد الصمت المكان، وكانت المفاجأة أن الأموال تضاعفت كما وعده الساحر، فظهر السرور على وجه مدير البنك، ومن هنا تهيأت الأمور لعملية السطو الكبرى، بعد أن صدق الرجل وآمن بقدرة سيسوكو على مضاعفة الأموال بالسحر الأسود، فظل يرسل أموالا إليه من البنك، معتقدا أنها ستعود إليه أضعافا مضاعفة ويستفيد منها.
وبحسب أوراق القضية فقد أجرى مدير البنك 183 تحويلا ماليا إلى حسابات سيسوكو حول العالم، فى الفترة من 1995 إلى 1998، وعمل سيسوكو على استخدام أموال بطاقات ائتمانية كبيرة، بلغت الملايين، وكان يتولى تسوية هذه الأموال بدلا منه.
وفى عام 1998، بدأت الشائعات تتناول البنك وأزمته المالية، حينها نشرت إحدى الصحف فى دبى تقريرا عن أن البنك يعانى أزمة سيولة، وحدثت اضطرابات وتجمع المودعون أمام البنك فى انتظار سحب أموالهم، وسعت حكومة دبى لتهدئة الأزمة، وقالت إنها “مشكلة صغيرة ولن تتسبب فى أية خسائر مالية سواء فى استثمارات البنك أو حسابات المودعين”، لكن هذا لم يكن صحيحا، بحسب رواية “BBC”.
فى هذا الوقت كان فوتانجا بعيدا جدا ينعم بأموال البنك، فقد وضع مخططا من البداية يقضى بعدم الاستمرار فى دبى أثناء تلقى الأموال، واعتمد على أن يكون بعيدا عنها بينما تتدفق الأموال إليه فى الخارج.
بعد أسابيع قليلة من عرضه السحرى أمام مدير البنك الإماراتى، توجه سيسوكو فى نوفمبر 1995، إلى مصرف سيتى بنك والتقى بإحدى الموظفات فى قسم التحويلات المالية وسرعان ما تزوجها”.
وقال ألان فاين، محقق من ميامى استعان به البنك الإماراتى فيما بعد للتحقيق فى الجريمة، إن تلك السيدة “لعبت دورا فى تسهيل علاقته مع سيتى بنك الأمريكى، وانتهى به المطاف لفتح حساب هناك، يمكننى تذكر أنه من خلاله تم تحويل أكثر من 100 مليون دولار إلى الولايات المتحدة”.
فى الواقع، وفقا للقضية التى رفعها بنك دبى الإسلامى ضد سيتى بنك الأمريكى، فقد تم تحويل أكثر من 151 مليون دولار، “خصمها سيتى بنك من حساب المراسل الخاص ببنك دبى الإسلامى دون إذن مناسب”، وقد تم إسقاط القضية لاحقا.
ودفع سيسوكو أكثر من نصف مليون دولار لزوجته مقابل مساعدته فى تحويل الأموال من دبى إلى نيويورك، بحسب رواية “BBC”.
ومع تدفق الأموال عليه كان بإمكان سيسوكو تحقيق حلمة بإنشاء شركة طيران فى غرب أفريقيا، واشترى للشركة طائرة مستعملة من طراز هوكر-سيديلى 125 وطائرتين عتيقتين من بوينغ 727 إس.
وكانت هذه البداية الحقيقية لشركة طيران “أير دابيا”، التى سماها على اسم قريته التى ولد فيها فى مالى.
وخلال هذه الفترة كانت الحقائق بدأت تتكشف فى الإمارات وبدأ عملاء بنك دبى الإسلامى يدركون أن شيئا ما خطأ قد وقع، وأصبح مدير البنك عصبيا، ولم يعد سيسوكو يرد على اتصالاته.
وفى النهاية لم يتحمل مدير البنك الإماراتى الضغوط واعترف لأحد زملائه بما حدث معه وتحويله أموالا للخارج، وعندما سأله زميله عن المبالغ التى حولها لم يتجرأ على أن ينطقها وكتبها على ورقة، وكانت المفاجأة أنها بلغت 890 مليون درهم ما يعادل (242 مليون دولار)، بحسب رواية “BBC”.
وفى النهاية تمت إدانته بالاحتيال المالى وصدر الحكم بسجنه ثلاث سنوات، وكان هناك شائعات بإجباره على الخضوع لعلاج بالقرآن لطرد الجن من جسمه وعلاجه من الإيمان بالسحر الأسود، بحسب رواية “BBC”.
أما سيسوكو فلم يخضع للعدالة قط، وحكمت عليه محكمة فى دبى بالسجن غيابيا ثلاث سنوات للاحتيال المالى وممارسة السحر الأسود، وأصدر الإنتربول مذكرة لاعتقاله ومازال مطلوبا للعدالة.
وهناك محاضر لمحاكمات أخرى مطلوب فيها سيسوكو للعدالة من بينها واحدة فى باريس، وادعى محاميه أنه كان كبش فداء لأفعال مدير بنك دبى الإسلامى، بينما تم نقل أموال البنك إلى مكان آخر، لكن المحكمة لم تقتنع بهذا وأدانته بغسيل الأموال.
وأصبح سيسوكو عضوا فى برلمان مالى لمدة 12 عاما، من 2022 وحتى 2014، وهو ما منحه حصانة سياسية ضد الملاحقة القضائية، وبعد خروجه من البرلمان وطوال أربع سنين ماضية تمثلت حصانته فى أن مالى لم توقع أى معاهدة لتسليم مواطنيها المطلوبين قضائيا فى الخارج، وما زال بنك دبى الإسلامى يلاحقه قضائيا من خلال المحاكم دون جدوى.