التعويذة

محاكمات السحر في سالم (1692) – القصة الكاملة لأشهر محاكمات السحر في التاريخ

تُعد محاكمات السحر في سالم واحدة من أكثر الفصول المظلمة في تاريخ أمريكا الاستعمارية. بين فبراير 1692 ومايو 1693، شهدت بلدة سالم، في ولاية ماساتشوستس، موجة من الهستيريا الجماعية التي أدت إلى إعدام 20 شخصًا وسجن أكثر من 200 آخرين، بتهمة ممارسة السحر الأسود.
1. خلفية تاريخية – لماذا حدثت محاكمات سالم؟

في أواخر القرن السابع عشر، كانت سالم مستعمرة بريطانية صغيرة يهيمن عليها الفكر الديني البيوريتاني الصارم. كان المجتمع مليئًا بالخوف من الشيطان، والاعتقاد بأن السحر كان سببًا للمشاكل والأمراض. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك توترات اجتماعية وسياسية، مثل:

الخلافات بين العائلات الثرية والفقيرة.
الصراعات حول ملكية الأراضي.
الخوف من الهجمات من السكان الأصليين.
عدم الاستقرار بعد حرب الملك فيليب (1675-1678).

في ظل هذه الأجواء، كان اتهام شخص ما بالسحر وسيلة سهلة للتخلص من الأعداء أو المنافسين.
2. بداية الاتهامات – “الفتيات الممسوسات”

بدأت القضية في يناير 1692، عندما بدأت بيتي باريس (9 سنوات) وأبيغيل ويليامز (11 سنة) – ابنة وابنة أخ القس صامويل باريس – بالتصرف بغرابة، حيث:

صرختا بشكل هستيري وسقطتا على الأرض.
ادعتا رؤية أشباح وشياطين.
أصيبتا بنوبات غريبة.

عجز الأطباء عن تفسير ما يحدث، مما دفعهم إلى إعلان أن الفتاتين مسحورتان. بدأ السكان في البحث عن الساحرات المسؤولات عن هذه الحالة. تحت ضغط القساوسة، زعمت الفتاتان أن ثلاث نساء قمن بإيذائهن بالسحر:

تيتوبا – عبدة من جزر الكاريبي تعمل لدى عائلة القس باريس.
سارة غود – امرأة مشردة تعيش على التسول.
سارة أوزبورن – أرملة ثرية ذات سمعة سيئة.

في مارس 1692، خضعت النساء الثلاث لمحاكمة أولية. أنكرت غود وأوزبورن التهم، لكن تيتوبا اعترفت تحت التعذيب بأنها كانت ساحرة، وقالت إن هناك ساحرات أخريات في المدينة.
3. تصاعد الهستيريا – اتهامات بالجملة

بعد اعتراف تيتوبا، بدأ الناس يوجهون اتهامات جديدة، وانتشرت حالة من الهلع. أي شخص كان يتصرف بطريقة غريبة أو لديه خلافات شخصية مع الآخرين كان معرضًا للاتهام. ومن بين المتهمين:

ريبيكا نورس (71 عامًا) – امرأة مسنة معروفة بتدينها.
مارثا كوري – زوجة رجل ثري، وجرى اتهامها من قبل صديقاتها.
جورج بوروز – قس سابق ادُعي أنه زعيم السحرة.

مع تزايد الاتهامات، تم إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة السحرة في يونيو 1692، برئاسة القاضي ويليام ستوغتون.
4. المحاكمات – أدلة ضعيفة وأحكام قاسية

كانت المحكمة تعتمد على “الأدلة الطيفية” (شهادات تدّعي أن أرواح المتهمين هاجمت الضحايا في الأحلام).
لم يُسمح للمتهمين بالدفاع عن أنفسهم بشكل عادل.
أي شخص يعترف بممارسة السحر كان يُعفى من الإعدام، بينما من أصرّ على براءته كان يُشنق.

5. الإعدامات – مأساة سالم

تم شنق 19 شخصًا بين يونيو وسبتمبر 1692، بينهم 14 امرأة و5 رجال. ومن بين الضحايا:

🔴 19 يوليو 1692 – أول موجة من الإعدامات

سارة غود
ريبيكا نورس
سوزانا مارتن
إليزابيث هاو
سارة وايلدز

🔴 19 أغسطس 1692 – إعدام القس جورج بوروز وخمسة آخرين.
🔴 22 سبتمبر 1692 – آخر إعدامات شملت مارثا كوري وسبعة آخرين.

وكانت الحالة الأكثر بشاعة هي القضاء على جيلز كوري (81 عامًا)، الذي تم سحقه بالحجارة حتى الموت لأنه رفض الاعتراف أو الدفاع عن نفسه.
6. نهاية المحاكمات – تراجع الجنون الجماعي

مع مرور الوقت، بدأ السكان يدركون أنهم وقعوا في فخ الهستيريا.

في أكتوبر 1692، أمر الحاكم ويليام فيبس بوقف المحاكمات وإطلاق سراح المتهمين المتبقين.
في 1693، أصدر عفوًا عامًا عن جميع المتهمين.
بحلول 1697، بدأت المحكمة تعترف بأن المحاكمات كانت خطأً فادحًا.

7. تأثيرات محاكمات سالم على التاريخ

تحولت سالم إلى رمز للظلم والمخاوف الجماعية.
تم استخدام القضية لاحقًا كتحذير ضد القمع السياسي، مثل مطاردة الشيوعيين في الخمسينيات بأمريكا.
اليوم، سالم تستغل القصة سياحيًا، حيث تضم متاحف ومزارات تحكي عن تلك الحقبة.

8. دروس من محاكمات سالم

خطر الهلع الجماعي والخرافات.
أهمية العدالة وعدم الاعتماد على أدلة ضعيفة أو مشاعر شعبية.
ضرورة وجود قوانين تحمي حقوق المتهمين في المحاكمات.

خاتمة

تظل محاكمات سالم واحدة من أكثر الأمثلة التاريخية على كيف يمكن للخوف والخرافات أن تدمر حياة الأبرياء. لا تزال القضية تثير التساؤلات حول تأثير الهلع الجماعي ودور القضاء في مواجهة مثل هذه الأزمات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى