أمي… التي طعنتها يداي، فداوت جراحي بقلبها
حنان لا يشيخ… وجحود لا يرحم
في تلك الغرفة الباردة التي فقدت دفء العائلة، جلست فاطمة وحيدة، تحتضن غطاءً مهترئًا لم يعد يقيها برد الأيام، كما لم يقها قلبها الجريح من قسوة الجحود. كانت تحدّق في السقف المتآكل، وكأنها تبحث بين شقوقه عن صور أبنائها، عن ضحكاتهم التي كانت تملأ المكان، عن أيامٍ كانت تظنّها لا تنتهي، لكنها انتهت… وبقسوة.
كانت فاطمة امرأةً قوية، لم تعرف للضعف بابًا. منذ رحيل زوجها، حملت أبناءها على كتفيها، لم تسمح لهم بأن يشعروا بالنقص أو الحاجة. عملت في البيوت، غسلت الملابس بيديها المتشققة، ووقفت لساعات طويلة تنظف بيوت الآخرين، بينما بيتها ممتلئ بالحب رغم الفقر. كانت تطهو الطعام بحنان، تغطيهم في الليل، وتطمئن على أنفاسهم وهم نائمون. لم تكن تشتكي، ولم تكن تندب حظها، كانت أمًّا… تعطي بلا مقابل.
لكن الزمن لم يكن رحيمًا بها. بدأت تشعر بضعفٍ يتسلل إلى جسدها، وظهر المرض الجلدي الذي غيّر شكلها وجعل رائحتها نفّاذة بفعل الالتهابات المزمنة. حاولت أن تخفي الأمر عن أبنائها، لكنها لم تستطع إخفاء نظراتهم المليئة بالنفور، لم تستطع كتم دموعها حين رأتهم يبتعدون عنها تدريجيًّا… خطوة بعد أخرى… حتى أصبحت وحدها.
في البداية، كان الصمت سيد الموقف، ثم بدأت الأعذار تتوالى:
“مشغول يا أمي، عندي شغل…”
“معلش يا ماما، الولاد عندهم دروس وامتحانات…”
“سامحيني، بس ظروفي صعبة…”
وكانت فاطمة تصدّق… أو تتظاهر بالتصديق، حتى لا تواجه الحقيقة المؤلمة: أنهم تخلوا عنها، تمامًا كما يُلقى بقطعة أثاث قديمة لم يعد لها فائدة.
لكنها لم تكن تتخيل أن الطعنة الأكبر ستأتي من ابنتها، تلك التي كانت أقربهم إلى قلبها. حين اتصلت بها يومًا، بصوتٍ مخنوق بالألم، لم تسمع سوى كلماتٍ باردة قاسية:
“مش فاضية، وعيالي في امتحانات!”
أغلقت الهاتف ببطء، وكأنها تُغلق بابًا لم تعتقد يومًا أنه سيُغلق في وجهها. جلست في عتمة وحدتها، تُحدث الجدران التي كانت شاهدة على حكاياتها معهم، على ليالي السهر بجانبهم، وعلى دموعها المخفية حين كانوا مرضى.
مرت الأيام ثقيلة، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي بدّل الأدوار… مرض حفيدها مرضًا خطيرًا، وأخبرهم الأطباء أنه يحتاج إلى زراعة نخاع عاجلة. بدأوا بالبحث عن متبرع، جربوا كل الوسائل، ولكن لم يجدوا تطابقًا.
عندها، وجدت الابنة نفسها أمام خيار واحد… أمّها.
ولكن كيف تواجهها بعد كل هذا الجفاء؟ كيف تطلب المساعدة ممن تركتها في وحدتها، ممن أغلقت الهاتف في وجهها؟
وقفت أمام باب بيت أمها، مترددة، لم تملك الشجاعة لتطرق الباب، ولكنها لم تكن بحاجة لذلك… ففاطمة سبقتها، وقفت تحت منزلها، رغم ضعفها، رغم ألمها، رغم كل شيء، وقالت بصوت دافئ:
“أنا هنا… لم أكن أنتظر منكِ أن تطلبي… أنا أمّكِ، وطفلكِ هو روحي قبل أن يكون ابنكِ.”
أجهشت الابنة بالبكاء، ركعت أمام أمها، أمسكت بيديها المرتجفتين، وشعرت للمرة الأولى بندم يخنقها.
“سامحيني يا أمي… أنا ظلمتك، أنا خذلتك، لم أكن ابنةً تستحق أمًا مثلك.”
مسحت فاطمة دموعها بأطراف جلبابها البالي، وابتسمت كما كانت تفعل دائمًا، وقالت:
“يا بنتي، الأم ما بتشيل من أولادها… اللي يغلط بحقها، تعذبه الحياة قبل ما تعاتبه هي.”
تم إجراء الفحوصات، وتأكد الجميع أن الأم متوافقة تمامًا مع حفيدها. لم تتردد لحظة، لم تسأل عن مقابل، لم تضع شروطًا… فقط أعطت، كما كانت تفعل دائمًا.
نجحت العملية، وخرجت فاطمة من المستشفى بعد أيام، كانت ضعيفة، متعبة، لكنها لم تطلب شيئًا… لم تطلب سوى شيء واحد فقط، وقبل أن تترك يد ابنتها، نظرت إليها بعينين ملأهما الحنان، وقالت:
“مش عايزة منك غير سؤال… مجرد سؤال يطمنِّي إني لسه عايشة في قلوبكم، حتى لو كنت مجرد ذكرى بعيدة.”
ثم مضت، كما تمضي الأمهات دومًا… حاملات أوجاعهن بصمت، مانحات الحب بلا شروط، تاركات خلفهن دروسًا لا تُنسى.
🔹 الدرس الأول: الأم تعطي بلا مقابل، لكنها تستحق أن تُعطى بلا شروط.
🔹 الدرس الثاني: الجحود قد يؤلم الأم، لكنه لا يغير قلبها.
🔹 الدرس الثالث: لا تنتظر أن تأخذ من أمك حين تحتاج إليها، امنحها حبك قبل أن تحتاجك هي.
قال الله تعالى:
“وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًا إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّۢ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا”
(الإسراء: 23)
وهذا الحديث النبوي أيضًا يعكس المعنى العميق للقصة:
قال رجل: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك.
(رواه البخاري ومسلم)
الأم… نبعٌ لا ينضب، فهل تحسنون الوفاء له؟
- مفاجأة مدوية.. بيسيرو يتحدث عن موقفه من إعادة لقاء القمة أمام الأهلي
- إجراء مثير من اتحاد الكرة لحل أزمة القمة والأهلي يوجه الشكر لنجم الفريق في نهاية الموسم ورد فعل غير متوقع من إدارة الأهلي بعد صلح مرتضي منصور مع شوبير!
- بعد حسم القمة.. الزمالك يشعل الأجواء داخل الدوري ويتوعد بيراميدز
- أشرف صبحي يصددم الأهلي وأبوريدة يضع الخطيب في وجه المد,فع والأهلي يتوعد للزمالك بعد أززمة القمة!
- خبر في الجول.. مفاجأة مدوية بشأن تعاقد الأهلي مع الفهد الإفريقي من الدوري الايطالي