459390393
حكايات لا تموت

حين انحنى الظلم باكيًا… قصة امرأة هزمت الشيطان بكرامتها

كان الليل قد أرخى سدوله على المدينة، وحجبت الغيوم القاتمة نجوم السماء، فيما كان المطر يتساقط بغزارة، كأنه يُغسل الشوارع من أحلام ضائعة وأمنيات خائبة. الطرقات بدت فارغة، إلا من أنفاس الريح وصفيرها الذي يضرب الجدران المتآكلة للمباني القديمة.

في زاوية أحد الأزقة الضيقة، جلست “ليلى” على عتبة منزل قديم، يئن تحت وطأة الزمن، تحيط بها الجدران المتشققة كأنها انعكاس لروحها المتعبة. احتضنت طفلها الصغير بشدة، تحاول جاهدةً أن تبعد عنه لسعات البرد الذي تسلل إلى عظامها. كان جسده النحيل يرتجف، بينما كان وجهه يختبئ بين طيات ثوبها الرث، باحثًا عن الدفء في أحضانها.

مرت ساعات المساء بطيئة، والمطر لم يهدأ لحظة. كانت ثيابها مبللة، وشعرها يقطر ماءً، لكن أكثر ما أرهقها لم يكن البرد، بل الجوع والخوف من غدٍ لا يحمل سوى المزيد من الألم. نظرت إلى الباب الخشبي خلفها، كان نصفه مفتوحًا، ينبعث منه ضوء دافئ يشي بأن الداخل مختلف تمامًا عن الخارج. ربما كان خلفه عالم مليء بالراحة والطعام والدفء، وربما كان مجرد وهم آخر، مثل تلك الأوهام التي خدعتها مرارًا.
رحلة السقوط

لم يكن هذا هو أول ليل تمضيه في العراء، فقد بدأت رحلتها مع المعاناة منذ سنة ، حين فقدت زوجها في حادث مأساوي، تاركًا إياها وحيدة مع طفلها الرضيع. كانت الحياة تزداد قسوة كل يوم، عملت في كل ما استطاعت، من تنظيف البيوت إلى بيع بضاعتها المتواضعة على الأرصفة، لكنها لم تستطع الصمود أمام مدّ الفقر الذي اجتاح حياتها.

مرت ساعات المساء بطيئة، والمطر لم يهدأ لحظة. كانت ثيابها مبللة، وشعرها يقطر ماءً، لكن أكثر ما أرهقها لم يكن البرد، بل الجوع والخوف من غدٍ لا يحمل سوى المزيد من الألم.لكن ايضا هذه الليلة كانت مختلفة، فقد وصل جسد ابنها إلى أقصى درجات الإعياء، ولم يعد بإمكانها أن تستمر في صمودها المعتاد. كان عليها أن تفعل شيئًا… أي شيء.

نظرت إلى الباب الخشبي خلفها، كان نصفه مفتوحًا، ينبعث منه ضوء دافئ يشي بأن الداخل مختلف تمامًا عن الخارج. ربما كان خلفه عالم مليء بالراحة والطعام والدفء، وربما كان مجرد وهم آخر، مثل تلك الأوهام التي خدعتها مرارًا.

الطريق إلى الاختبار الأصعب

طرقت الباب لتجد داخل المنزل،  رجلٌ طويل القامة، تبدو على ملامحه القسوة والصرامة. نظر إليها بعينين غامضتين، ثم قال بصوت هادئ لكنه يحمل قوة خفية:

– “ما الذي تفعلينه هنا؟”

ابتلعت ريقها بصعوبة، ثم قالت بصوت مرتجف:
– “أنا… أنا لا أطلب الكثير، فقط أريد أن أحمي طفلي من البرد…”

نظر إلى ثيابها المبللة، إلى الطفل المرتجف بين يديها،لمع الشيطان في عينة ولعب براسة ووسوس له هذه فريسة سهله نل منها ولن تغرمك شيئ فطلب منها ان تجلس حتى يحضر كوب من الماء لتشرب وبينما هي تشرب ابتلع مجموعة من الحبوب  ثم اقترب منها خطوة، وقال بصوت منخفض:
– “تعرفين أن لا شيء مجاني في هذا العالم…”

ارتجفت روحها قبل جسدها، شعرت وكأن سيفًا باردًا يُغرس في قلبها. لم يكن هذا جديدًا عليها، فقد تعرضت لهذه النظرات من قبل، لكن هذه المرة كانت مختلفة… كان الخيار أمامها قاتلًا.

إما أن تقبل، وتخسر نفسها للأبد، أو ترفض، وترى طفلها يموت بين ذراعيها.

ترددت للحظات، وعيناها تراقبان الطفل الذي بدأ أنفاسه تضعف. شعرت أنها تختنق، أن العالم كله ينهار حولها. لكن شيئًا في داخلها كان أقوى من كل ذلك، شيئًا يجعلها ترفع رأسها رغم الانكسار.

وبصوت بالكاد خرج منها، قالت:
– “لن أبيع نفسي… حتى لو متّ جوعًا، لن أفعل.”

استدار الرجل عنها ببطء، وكأن قراره قد اتُخذ، ثم قال ببرود:
– “إذن، اخرجي.”

المفاجأة التي غيّرت كل شيء

خرجت ليلى وهي تحضن طفلها، وتدعوا ربها ان يقيها الحرام ويقويها على عدم معصيتة والدموع تسيل من عينيها مروية بالعفة والطهارة ومشت قليلا لكنها شعرت بالارهاق الشديد والطفل في حضنها يتلوى من الاعياء فاحتمت بشجرة ليست بعيدة عن المنزل  وغلبها النوم وهي تشعر فجأة بالطمائنية وفي لحظات من شدة التعب غلبها النوم لكنها فجأة، سُمعت صرخة مدوية من داخل المنزل. تجمدت في مكانها، التفتت بسرعة، وترددت للحظة، لكنها لم تستطع تجاهل الصوت. اندفعت إلى الداخل، لتجد الرجل ساقطًا على الأرض، يتلوى من الألم، ووجهه قد ازرقّ بشكل مخيف. كان يلهث بصعوبة، وهو يمد يده إليها متوسلًا:

– “خزانة… الدواء… بسرعة!”

تقدمت وهي ترتجف، فتحت الخزانة وسحبت زجاجة الدواء، ثم أسرعت نحوه، وساعدته على تناوله. كانت نبضاته ضعيفة، وعيناه تغمضان ببطء، فجلست بجانبه، وضعت وسادة خلف رأسه، وبقيت بجواره طوال الليل، حتى استعاد وعيه.

أربعة أيام من الرعاية

لم تستطع المغادرة، فقد كان في حالة حرجة، ولم يكن هناك أحد غيرها لإنقاذه. بقيت تعتني به أربعة أيام، تطعمه، تسقيه الدواء، وتنظف المكان. كانت تأكل فقط ما تجده في صفيحة القمامة،لتسد به ما تستطيع ان ترضع به طفلها  لأنها لم تكن تقبل الحرام.

وحين بدأ يتعافى، نظر إليها طويلاً، ثم قال بصوت خافت:
– “لماذا لم تهربي بعد أن فقدتُ وعيي؟ كان بإمكانك سرقتي والفرار.”

أجابته ببساطة:
– “لستُ سارقة… ولم أتعلم إلا أن أصون نفسي، حتى في أصعب اللحظات.”

لحظة الندم والاعتراف

حين قررت الرحيل، أصرّ الرجل على بقائها حتى يتعافى طفلها تمامًا، لكنها رفضت. وحين خرجت، شعر بشيء ما يخنقه من الداخل. تردد للحظات، ثم فتح خزانته ليتأكد من أمواله، فوجدها كما هي. بعدها، توجه إلى المطبخ، وعندما فتح الثلاجة، لاحظ أن كل شيء كان كما تركه، باستثناء دجاجة واحدة فقط.

تذكر كيف أنها كانت تطعمه وهو مريض، رغم أنها لم تكن تأكل شيئًا. في تلك اللحظة، نزلت دموعه لأول مرة منذ سنوات.

هرع إلى الخارج، يبحث عنها بجنون، حتى وجدها تسير ببطء حاملة طفلها. قال لها قصي عليكي قصتك فقصت عليه قصتها وكيف حافظت على نفسها وشرفها رغم العروض المغرية وفضلت العراء والبرد على الدفئ المطعم بالحرام وغضب الله

سائلها واذا كان مات طفلك من البرد هل كنتي ستشعرين بالندم

أجابتة بلا تردد

هذه ارادة الله فان الشرف ورضا الله أعظم عندي من حياة طفلي

ركع أمامها، وبكى وهو يقول:
– “سامحيني… لم أكن إنسانًا حين راودتكِ عن نفسك. الآن فقط أدركتُ كم كنت أحمق.”

نظرت إليه ليلى بصمت، بينما كانت الدموع تلمع في عينيها.

سألها بصوت مرتجف:
– “ماذا كنتِ تأكلين طيلة هذه الأيام؟”

أجابته بصوت هادئ:
– “ما كنتُ أجدُه في القمامة…”

تألمت ملامحه، وشعر بالخزي أكثر من أي وقت مضى. نظر إلى الطفل، ثم إلى وجهها، وقال بحزم:
– “عودي معي… لكن هذه المرة، ليس كعشيقة، بل كزوجة… وسيكون ابنك ابني، سأجاهد لإسعاده، وسأعوّضكما عن كل ليلة من العذاب.”

تجمدت ليلى في مكانها، غير مصدقة لما تسمعه.

بعد سنوات من الألم، هل يُمكن للقدر أن يمنحها فرصة للحياة من جديد؟

📖 قال الله تعالى:
“وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ۝ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا”
(سورة الإنسان: 8-9)

🕊️ هذه الآية تعبر عن الإحسان والعطاء دون انتظار مقابل، وهو ما تجسد في تصرف المرأة التي رفضت الحرام وآثرت الصبر والكرامة، وأيضًا في تحول الرجل في النهاية إلى العطاء والتوبة.

حديث شريف :

📜 قال رسول الله ﷺ:
“الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار.”
(رواه البخاري ومسلم)

✨ هذا الحديث يحث على رعاية المحتاجين والمظلومين، مثل حال المرأة التي عانت مع طفلها، وكذلك يشير إلى الأجر العظيم لمن يساعد الفقراء واليتامى، كما فعل الرجل في النهاية عندما أصلح خطأه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى