459390393
حكايات لا تموت

مروان قلب الاسد: الطفل الذي واجه الذئاب البشرية في ظلام الليل وضحّى بحياته دفاعًا عن شرف أخته

قلب الأسد

في إحدى القرى الصغيرة، بمحافظة اسيوط حيث يتعارف الجميع وتعيش العائلات في ترابط، كان هناك صبي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره يُدعى “مروان”. كان فتىً شجاعًا، قوي القلب رغم صغر سنه، معروفًا بطيبته وحبه لأخته الوحيدة “ليلى”، التي كانت تكبره بعامين. كان يعتبرها أغلى ما يملك، وكان مستعدًا لفعل أي شيء من أجلها.

كانت والدتهما مريضة جدًا، تعاني من آلام حادة، وفي ظلام الليل صرخت من شدة الألم. أدركت ليلى أن الأمر يستدعي تدخلاً عاجلاً، فقررت النزول لإحضار مسكن من الصيدلية الواقعة عند مدخل البلدة. لكن مروان رفض بشدة أن تذهب وحدها في هذا الظلام الدامس، وقال لها بحزم:

“أنا سأذهب بمفردي، لا يمكن أن أتركك تخرجي وحدك في الليل.”

إلا أن ليلى أصرت على الذهاب معه، لأنها أدرى بحالة والدتها وستتمكن من توضيح الأمر للصيدلي. بعد إلحاح منها، وافق مروان على مضض، وخرجا معًا في الطريق المظلم.

وأثناء سيرهما عبر الطرقات الضيقة، كان الهدوء يخيم على المكان، لا يُسمع سوى أصوات خطواتهما المرتجفة. وما إن اقتربا من الطريق المؤدي إلى الصيدلية حتى اعترض طريقهما مجموعة من الأشقياء الذين طالما عاثوا في الأرض فسادًا، لا يخافون الله ولا يرحمون أحدًا. بدأوا بمضايقة ليلى، محاولين إبعادها عن أخيها، ولكن القدر لم يمهلهم طويلاً، فقد وقف مروان أمامهم كالسد المنيع، وقال بصوت هزّ المكان:

“ابتعدوا عنها فورًا! لن تمسوها بسوء ما دمت حيًا!”

ضحك الأشقياء بسخرية من تهديد الطفل الصغير، ولكنهم لم يدركوا بعد أنه ليس مجرد طفل، بل كان أسدًا في قلبه. تقدم نحوهم دون خوف، محاولًا إبعادهم عن أخته، فانهالوا عليه بالضرب بكل قسوة، بينما كانت ليلى تصرخ وتحاول مساعدته، ولكنهم كانوا كُثرًا، ولم تجد يدها الصغيرة قوة لإنقاذ أخيها.

ضُرِب مروان حتى أرهق جسده النحيل، ولكنه لم يستسلم، ظل يقاوم رغم الألم، رغم الدماء التي غطت وجهه وملابسه. كان يعلم أن أخته في خطر، وكان مستعدًا للتضحية بروحه لأجلها. وحين لم يجد الأشقياء سبيلًا لإخضاعه، استل أحدهم خنجرًا غادرًا وغرسه في صدره الصغير، ليسقط مروان على الأرض، والدماء تفور منه كأنها شلال من الشرف والتضحية.

في تلك اللحظة، بدأ بعض أهالي القرية بالاقتراب بعد أن سمعوا الصراخ، ففرّ الأشقياء هاربين تاركين خلفهم جريمة لا تُغتفر. ركضت ليلى نحو أخيها، احتضنته وهي تبكي وتصرخ باسمه، لكنه لم يكن يسمعها كما كان دائمًا. نظر إليها بعينين أنهكهما الألم، لكنه كان سعيدًا لأنه أنقذها.

بصوت متقطع، همس لها: “أنتِ بخير، هذا هو المهم… كوني قوية، يا ليلى…” ثم أغمض عينيه للمرة الأخيرة، تاركًا وراءه قصة بطولية ستحكيها القرية للأجيال القادمة.

حزن أهل القرية بشدة على الفتى البطل، ولم يكن هناك قلب إلا وانكسر على فراقه. وقرروا أن يخلدوا اسمه بطريقة تليق بتضحيته، فأطلقوا على قريتهم اسم “قرية الشرفاء” ليبقى اسمه محفورًا في ذاكرة الجميع.

دُفن مروان بجانب والده، وكتبوا على قبره عبارة خالدة:

“هنا يرقد قلب الأسد، الذي واجه الذئاب ليحمي شرف أخته، فرحل جسده وبقيت شجاعته نورًا للأجيال.”

📖 قال الله تعالى:
“وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۭا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”
(سورة آل عمران: 169)

هذه الآية تعبر عن منزلة الشهداء الذين يضحون بحياتهم من أجل الدفاع عن الحق، تمامًا كما فعل مروان حين قدم روحه لحماية شرف أخته.


📜 قال رسول الله ﷺ:
“من مات دون عرضه فهو شهيد.”
(رواه الترمذي وأبو داود)

هذا الحديث الشريف يبين فضل من يدافع عن عرضه حتى الموت، وهو ما ينطبق على شجاعة مروان الذي واجه الظلم لحماية أخته وضحى بحياته بشرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى